الخميس، 20 مايو 2010

كيف ترون الدنيا؟!


ليس هناك ما هو أجمل من تأدية الإنسان لواجباته كاملة غير منقوصة، فمن ناحيته فهو يشعر بالرضا عن نفسه في أنه قد عمل شيئاً يرضي الله ويريح ضميره، فإذا به وقد عاد إلى بيته قرير العين، هادىء البال ومطمئن الخاطر، ذلك لأن الله تعالى قد زود الإنسان بأجهزة حساسة جداً تقيس أعماله وتون أداءه وتراقب إخلاصه، فإن هو أحسن فيما أوكل إليه من أعمال وحاول الإتقان بما استطاع وأخلص النية لله في إكمال واجباته، كافأه الله تعالى على ذلك استقراراً وراحة بال وشعوراً بالسعادة وبركة في العمر والمال والزوجة والولد.. أما إن كان عمله مغشوشاً وركيكاً غير متقن، قد قام به صاحبه على غير إخلاص أو وفاء وعلى غير شعور بأهمية تأدية الواجب على خير وجه وأفضل صورة فإن الله تعالى يعاقبه في أن يعيش قلق النفس متوتر الأعصاب قد نزعت منه البركة في كل شيء فهو يجد نفسه مكتئباً ويرى صحته معلولة وأبناءه يعيشون حياة الانفلات قد تركوا مدارسهم وانخرطوا في سلك الضائعين والتائهين، ومع ذلك فهو لا يتهم نفسه بشيء وإنما يتهم الواقع ويتهم الرداءة في الأسواق والغش في المعاملات ورفاق السوء الذين لم يجدوا أسرة تربيهم أو مدرسة توجههم أو آباء يقتدون بسلوكهم «الزين» وقد نسي هو أن يتذكر أن سلوكه هو «غير زين» فكان لابد لأبنائه أن يتأثروا بسلوك أبيهم الذي لم يجدوا فيه «الإخلاص» ولا الحرص على الأمانة أو الحرص على تأدية الواجب، بل سمعوه مرات ومرات يردد:«هذا شعب حارق! هذه أمة فاشلة! لا فائدة.. لا فائدة هؤلاء لا ينفع معهم إلا الصميل» كلهم مخادعون، غشاشون! والله.. لا تجد واحداً في المائة تسمع منه كلمة صدق أو كلمة شكر على معروف، بل تجد أكثرهم يبغضونك ويحسدونك.. إلى آخر هذا الهدار.


وهكذا يمضي أمثال هؤلاء في تعداد أخطاء الناس وعيوبهم ومثالبهم أمام أبنائه وزوجه وأصدقائه ولا يذكر أحداً بخير، فالناس في نظره كلهم أشرار، يفتقدون الإخلاص والأمانة والشعور بالواجب وكأنه لا يوجد على ظهر الأرض غير الفاسدين والسيئين.. وكأنه وهو يعدد عيوب الآخرين وتشوهات نفوسهم ورداءة أخلاقهم يريد أن ينفي عن نفسه ما بها من سوء وما بضميره من جروح وما في سلوكه من تشوهات.

والذي نفسه بغير جمال .. لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً.


نريد أن نقول لأبنائنا إن هناك قبحاً لا نشك في أنه موجود في واقعنا، وإن للقبح رجاله وأهله ودهاقنته، ولكن لا يعني ذلك بأي حال أن نوصم واقعنا كله بالقبح، فهناك مازال «الجمال» يسود في مواطن كثيرة من حياتنا، ليس فقط في الرياض المكسوّة بالورود والأزهار أو في الروابي والهضاب ورؤوس الجبال، هناك «جمال» كبير وكثير.. وليس فقط في صدح البلابل وزقزقة الطيور وإنما يوجد أيضاً في قلوب الرجال والنساء، في قدرتهم على العطاء وفي استعدادهم للتضحية وفي حسن تربيتهم وتوجيههم للأطفال «فتيات وفتياناً». هناك من الرجال والنساء من لا تخرج كلمة العيب من لسانهم.. هناك منهم من يتواضع حين تظن أنه كبير لا يصدر عنه إلا الكبر والاستعلاء يتواضع للناس ويربي أبناءه على التواضع لأنه كبير في ذاته وفي نفسه وليس في منصبه ووظيفته. الدنيا مازالت بخير.. بسبب ما فيها من عدد ضخم من الرجال والنساء الذين جندوا أنفسهم لإرضاء الله تعالى عن طريق فتح منافذ ونوافذ للخير.. إنهم لا يضيعون أوقاتهم في نقل الأخبار في أن فلاناً تزوج وفلانة تطلقت.. فلان سرق وفلان حبس إلى آخر ما في هذه الأخبار من تضييع للوقت وتدخل في شئون العباد.. ما أرقى تفكير الأم راجحة العقل وهي تخطط ألا تسمع أبناءها وبناتها إلا كل خير عن الناس وعن الجيران وعن الأهل وتجرم عليهم مشاهدة التلفاز إلا ما كان مفيداً لهم لتنمية عقولهم ووجدانهم وضمائرهم، وما أروع ذلك الرجل الذي يتعامل مع زوجته بالحب والتفاهم والإخلاص.. ويشاركها في تربية الأبناء وفي تخفيف أعباء المنزل عنها كلما اتسع وقته لذلك..فإذا فرغا من واجبات الحياة تفرغا للجلوس مع الأبناء لتوصيل رسائل المودة والألفة إن كانا حريصين أن يكون لذريتهما فضل المشاركة في إصلاح المجتمع وصناعة المستقبل. التحسين.. قسم النظافة.. إدارة الأشغال.. شكراً اسمحوا لنا بكلمة شكر وتقدير للقيادات المسئولة عن كل ما تم إنجازه حتى الآن بهمة الرجال وإخلاص العاملين، لم يعد معظم الناس في شوارعنا وأحيائنا يشعرون بالضيق والكآبة من تراكم النفايات التي شارك في صفها أكثر من جهة. لقد صار شارعنا اليوم يزهو بالوجه الذي بدا عليه كأنه «عريس» يلبس حلته ولكن بدون «الجنبية» و»الحزام» ولن يكتمل زيه حتى يتم تغطية الأرصفة الترابية بالحشائش أو بالرصف بالحجارة أو البلاط.. إنها لن تكلف شيئاً كبيراً من المال، خصوصاً إذا توفر المقاولون الذين يحسنون لبلادهم أكثر مما يسيئون، سوف يمنع رصف هذه الأماكن الضيقة أن تلقي المخالفات والنفايات فوق ظهورها وحتى لا نعود من جديد نشكو قبح المنظر وتجمع القطط والكلاب فوق أكوام القاذورات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق